ديون المؤسسة بين البائع والمشتري
ديون المؤسسة بين البائع والمشتري : كثير ما يتم بيع الكيانات التجارية، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية أو في فترات الانكماش الاقتصادي ، فيلجأ بعض التجار إلى الاندماج داخل كيانات أكبر أو خروج من السوق نهائياً، ببيع مشايعهم التجارية، ونقتصر هنا على الحالة الاخيرة:
من أكثر المشاكل التي تحدث بعد بيع الكيانات التجارية تلك المتعلقة بديونها، فمن المسئول عن تلك الديون البائع أم المشتري؟
قبل الإجابة على هذا السؤال
ربما لا تكون المشكلة فيما يخص بيع الشركات، بقدر المؤسسات ، ذلك لأن الشركة تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، وقد حسم نظام الشركات هذه المسألة، ولنأخذ مثالين من النظام، ففي شركة التضامن تنص المادة 20/1 على ” إذا انضم شريك إلى الشركة كان مسئولا بالتضامن مع باقي الشركاء في جميع أمواله عن ديون الشركة السابقة لانضمامه واللاحقة….” ، أما المادة20/ 3 من ذات المادة فنصت على ” إذا تنازل أحد الشركاء عن حصته فلا يكون مسئولا عن الديون قبل دائني الشركة إلا إذا اعترضوا على هذا التنازل خلال ثلاثون يوما من تاريخ إبلاغ الشركة لهم بذلك.. “،
أما الشركات ذات المسئولية المحدودة فقد نصت المادة (151) من النظام على أن ” الشركة ذات المسئولية المحدودة شركة ……. وتعد ذمتها مستقلة عن الذمة المالية لكل شريك فيها وتكون الشركة وحدها مسئولة عن الديون والالتزامات المترتبة عليها ولا يكون المالك أو الشريك فيها مسئولا عن تلك الديون والالتزامات” ،
وعليه فالأصل أن الديون الخاصة بالشركة متعلقة بذمة الشركة لا بذمة الشركاء، وأن تلك الديون تنتقل إلى المشتري أو الشركاء المنضمون دون هؤلاء الشركاء المتخارجون من الشركة، وهذا لا يعني أنه ليس للشركة مشاكل فيما يخص ديوانها و نتعرض لها في مقال لاحق إن شاء الله .
أما فيما يخص المؤسسات
فإن الأمر يحتاج إلى شيء من التفصيل. حيث يكون السؤال: هل تكون تلك الديون على عاتق البائع أم على المشتري؟،. أو هل تنتقل الديون من البائع إلى المشتري ببيع المؤسسة ؟.. ربما لا يثور النزاع لو كان الطرفان حسما أمر تلك الديون بالاتفاق، وتحديد مصير تلك الديون. وسيتم – في هذه الحالة – إعمال اتفاقهما، ولكن ماذا إذا سكتا؟؟! .. فعلى من يقع عاتق سداد تلك الديون؟ وماذا لو نصا في عقد البيع على أن المؤسسة تنتقل بما لها من حقوق وما عليها من التزامات. دون تحديد مقدار تلك الديون فهل يلتزم المشتري بتلك الديون؟ وماذا لو أن تلك الديون تفوق قيمة المؤسسة نفسها؟؟
وتأصيلا لهذا الأمر ، فمن المعلوم أن البيع لا ينشئ للمشتري ملكية جديدة مبتدئة وإنما ينقل إليه ملكية الشيء المبيع من البائع ويعتبر المشتري خلفاً خاصاً انتقلت إليه الحقوق من البائع بمقتضى العقد، وهكذا فإنه بالبيع تزول الحقوق عن البائع وتنتقل إلى المشتري، ولكن هل تلك الحقوق أو الالتزامات مرتبطة بعين المؤسسة المبيعة، حتى يمكن إعمال المبدأ السابق أم مرتبطة بذمة البائع؟
في أحد تلك القضايا التي ثار بشأنها نزاع، حيث تم بيع مؤسسة، وكانت تلك المؤسسة كانت محملّة بدين تنفيذا لأحد عقود التوريد، – قام المشتري بتحويلها إلى شركة ذات مسئولية محدودة – طالب الدائن صاحب المؤسسة بقيمة الدين ، دفع هذا الاخير ببيع المؤسسة ، أُدخل المشتري في القضية.
وانتهت الدائرة إلى أن تلك الديون يلتزم بها البائع!!
رغم النص في عقد البيع على أن المؤسسة تنتقل بما لها من حقوق وما عليها من التزامات، واستندت الدائرة على أسباب حاصلها أن المدعية قامت بتنفيذ العقد إلا أن المدعى عليه- بائع المؤسسة- لم يقم بتنفيذ التزاماته المقابلة ، مما تنتهي معه الدائرة إلى إلزام المدعى عليه بدفع مبلغ المطالبة، ولا ينال من ذلك ما دفع به المدعى عليه من أن الديون قد انتقلت من ذمة المؤسسة إلى ذمة الشركة (المؤسسة قبل تحويلها) إذ أن توريد المدعية كان قبل تحول المؤسسة إلى شركة ذات مسئولية محدودة ، ذلك أن المعتبر في تحديد زمن الخلاف هو المستفيد من هذا التعامل ، وحيث أن الثابت أن المدعى عليه قد باشر التعامل واستفاد منه، فالمتعين عليه تحمله هذه المطالبة.
من الواضح من الحكم السابق
أن المحكمة حملت تلك الديون إلى البائع دون المشتري. ونرى ان الحكم أُسس على أن المستفيد من العقد هو البائع ومن ثم تعلق تلك الديون بذمته لا بذمة المؤسسة. إذ لو انتقلت مع المؤسسة لالتزم بها المشتري.
وتأصيلا لتلك المسألة. فإذا كانت الشركة تمارس نشاطها من خلال شخصيتها الاعتبارية المستقلة. فالمؤسسة محل تجاري يمارس التاجر من خلاله نشاطه،. ولهذا المحل عناصر مادية ومعنوية. وأن انتقال حقوق التاجر وديونه المتعلقة بالاستغلال التجارية إلى المشتري. تتوقف على ما إذا كانت هذه الحقوق عنصرا من عناصر المحل التجاري من عدمه. فإذا كانت عنصرا فهي تنتقل- بالتبع – إلى المشتري، أما إذا لم تكن عنصرا فبلا شك لا تنتقل . وقد اختلفت الانظمة المقارنة حول هذه الديون هل هي من عناصر المحل التجاري من عدمه. والرأي الراجح هو خروج هذه الحقوق والالتزامات -كقاعدة عامة – من العناصر المعنوية للمحل التجاري. إذا أن المحل التجاري ليس ذمة مالية مستقلة عن ذمة مالكه. ومن ثم تشغل هذه الحقوق والالتزامات ذمة التاجر البائع ولا تنتقل إلا باتفاق خاص بين الطرفين وفقا لحوالة الدين . فالحقوق التي للتاجر من عملائه لا تنتقل إلى المشتري بمجرد عقد بيع المؤسسة وكذلك التزاماته. فإنه يظل مسئولا عنها ويجوز اقتضائها من أمواله الخاصة .
ولكن يبقى الشق الثاني من ماذا لو نصا في عقد البيع على انتقال المؤسسة بما لها من حقوق. وما عليها من التزامات دون تحديدها، فهل يصح ؟ ؟ الإجابة في مقال آخر .