تابي” والتمويل الاستهلاكي في السعودية: بين الفرص التنظيمية والرقابة المتزايدة
يشهد قطاع التقنية المالية في السعودية، وتحديدًا مجال شركات الدفع الآجل “اشتر الآن وادفع لاحقًا” (BNPL)، نموًا متسارعًا مع بروز لاعبين كبار مثل تابي وتمارا، اللتين استطاعتا جذب استثمارات ضخمة وتوسيع نطاق خدماتهما. ومع دخول مصرف الراجحي على الخط بإطلاق برنامج “تساهيل”، ولهذا تتجه الأنظار إلى مستقبل هذا القطاع، وسط توقعات بتشديد الرقابة التنظيمية عليه، مما قد يُعيد رسم خارطة المنافسة.
ما هي تابي؟
تابي هي أحد الشركات الناشئة للدفع الآجل في السعودية التي تعمل في تقديم الخدمات المالية ، بحيث تسمح لعملائها بتأجيل دفع المبالغ المستحقة عن السلع أو الخدمات التي استفادوا منها إلى وقت لاحق بعد استلامها ، ويتمثل هذا النوع من الدفع في أقامه علاقة مالية بين البائع والمشتري يتم تحديدها بموجب العقد.
ولقد عرفت قواعد تنظيم الدفع الآجل الصادرة من البنك المركزي السعودي لعام 2023 في المادة الأولى منها أن نشاط الدفع الآجل (النشاط) هو تمويل العميل لشراء السلع أو الخدمات من المتاجر بلا كلفة أجل مستحقة على العميل.
هل تواجه شركات BNPL رقابة أشد في المستقبل؟
حتى الآن، لا تزال شركات BNPL تعمل ضمن إطار تنظيمي مرن مقارنة بشركات التمويل التقليدية، لكن هناك إشارات متزايدة إلى إمكانية فرض قيود تنظيمية أكثر صرامة، تشمل:
-
إلزام الشركات بتسجيل جميع المعاملات في “سمة”
حاليًا، لا يتم إدراج كافة عمليات BNPL ضمن السجل الائتماني للمستهلكين، مما يمنحها ميزة إضافية على التمويل التقليدي، إذ لا يؤثر استخدامها على تصنيف العملاء الائتماني، ولكن مع تزايد انتشار هذه الخدمات، قد تطالب الجهات التنظيمية الشركات بتسجيل كافة المعاملات، مما قد يُحدث تغييرًا جذريًا في المشهد التنافسي.
-
وضع حدود أعلى للتمويل
رغم أن شركات BNPL تخضع حاليًا لحدود تمويلية لا تتجاوز 20 ضعف رأس مالها، إلا أن التوسع السريع لهذه الشركات قد يدفع الجهات الرقابية إلى إعادة تقييم هذه الحدود، لضمان عدم تحول القطاع إلى مخاطر مالية غير محسوبة.
-
إدخال معايير للملاءة المالية والاحتياطات النقدية
شركات التمويل التقليدية مطالبة بالاحتفاظ باحتياطات نقدية وضوابط للملاءة المالية لضمان قدرتها على مواجهة المخاطر، وحتى الآن، لا تواجه شركات BNPL نفس المتطلبات، لكن من المحتمل أن تبدأ الجهات التنظيمية بفرض معايير مماثلة، مما قد يؤثر على نموذج الأعمال الحالي لهذه الشركات.
إذا طُبّقت هذه القيود، فقد نشهد تحولًا جوهريًا في BNPL، ما سيؤدي إلى زيادة التكلفة التشغيلية ورفع معايير الائتمان، وبالتالي إعادة ترتيب المنافسة في السوق.
“تساهيل” من مصرف الراجحي.. هل تدخل البنوك على خط المنافسة؟
في خطوة غير متوقعة، أطلق مصرف الراجحي خدمة “تساهيل”، والتي تقدم تقسيطًا ثابتًا بين 3 إلى 12 شهرًا بدون هامش ربح، بحد أدنى 1000 ريال، وبينما تبدو الخدمة شبيهة بـ BNPL، إلا أن هناك اختلافات جوهرية:
- متاحة فقط لعملاء المصرف، مما يجعلها أقل انفتاحًا مقارنة بـ تابي وتمارا اللتين تتيحان خدماتهما لأي مستهلك.
- تتطلب الاتصال بخدمة العملاء بعد الشراء للحصول على الموافقة، وهو ما يحدّ من سهولة الاستخدام مقارنةً بتجربة BNPL التي تتم بلمح البصر.
- تمتلك الراجحي سقفًا ماليًا أعلى بكثير من شركات BNPL، نظرًا لحجمها وقدرتها على تمويل مشتريات كبيرة.
رغم أن دخول البنوك إلى هذا القطاع كان متوقعًا، إلا أن طريقة التنفيذ تُظهر أنها لم تتبنَّ بعد تجربة المستخدم السلسة والسريعة التي تقدمها BNPL، مما يُبقي هذه الشركات في الصدارة حاليًا.
الفروقات التنظيمية بين BNPL والتمويل التقليدي في السعودية
تشهد BNPL تسهيلات تنظيمية غير متاحة لشركات التمويل التقليدية، مما يعزز انتشارها، ومن أبرز هذه الفروقات:
-
عدم اشتراط نسب تحمل الدين (DTI):
في شركات التمويل التقليدية، يخضع العميل لـ معايير التمويل المسؤول التي تحدد نسب الدين إلى الدخل، بينما BNPL معفاة من هذه القيود للمعاملات الأقل من 2000 ريال، ما يجعلها أكثر جاذبية وسهولة للمستهلكين.
-
متطلبات رأس المال أقل بكثير:
بينما تُلزم “ساما” شركات التمويل التقليدية برأس مال أدنى 50 – 200 مليون ريال، فإن شركات BNPL يمكنها العمل برأس مال 5 ملايين ريال فقط، مما يسمح بدخول لاعبين جدد بسرعة.
-
عدم إدراج جميع المعاملات في التقارير الائتمانية:
البنوك ملزمة بتسجيل جميع القروض في “سمة”، بينما BNPL ليست مطالبة بذلك، مما يوفر للمستهلكين مرونة دون التأثير على سجلهم الائتماني.
-
حرية أكبر في تقديم الخدمات المالية:
البنوك تواجه قيودًا صارمة على كيفية تسعير منتجاتها ورسومها، بينما BNPL تعتمد على نموذج مرن قائم على فرض رسوم على التجار وليس العملاء، مما يجعلها بديلاً غير مكلف للمستهلكين.
هذه التسهيلات عززت نمو BNPL بشكل سريع، لكنها تطرح أسئلة قانونية حول مستقبل التشريعات، مع زيادة الاعتماد على هذه الحلول.
يهمك أيضا : ما هو نظام الانضباط الوظيفي؟
تحديث تقييم “تابي” في السوق
تابي أول “يونيكورن” سعودي في قطاع التقنية المالية ، ويقصد بمصطلح (يونيكورن) هو المصطلح الذي يطلق على الشركات الناشئة التي تصل قيمتها إلى مليار دولار ، وطبقاً لآخر تحديث، تقييم تابي يصل إلى 3.3 مليار دولار، مما يجعلها أول “يونيكورن” في قطاع BNPL في الشرق الأوسط، حيث بدأت تابي في توسيع نطاق خدماتها من خلال إطلاق بطاقات دفع للمتاجر التقليدية، بالإضافة إلى تطوير متجر إلكتروني خاص بها Tabby Shop، مما يعكس تحولها إلى نظام مالي متكامل.
هذا النمو السريع يشير إلى أن تابي ليست مجرد شركة دفع بالتقسيط، بل تسعى لأن تكون منصة مالية متكاملة، ومع ذلك، فإن النجاح السريع قد يستدعي مزيدًا من الرقابة التنظيمية مستقبلاً.
ماذا يحمل المستقبل لقطاع BNPL؟
في ظل النمو المتسارع والاهتمام التنظيمي المتزايد، يمكن توقع عدة سيناريوهات:
السيناريو الأول: تشديد الرقابة التنظيمية
إذا فرضت “ساما” قيودًا جديدة مثل إدراج جميع المعاملات في “سمة” ورفع متطلبات رأس المال، فقد يؤدي ذلك إلى إبطاء توسع BNPL وإعادة هيكلة نموذج أعمالها.
السيناريو الثاني: استحواذ البنوك على شركات BNPL
في حال رأت البنوك أن BNPL باتت منافسًا خطيرًا، فقد تلجأ إلى شراء هذه الشركات بدلاً من التنافس معها. رغم أن ثقافة الاستحواذ لا تزال غير مفضلة محليًا، إلا أنها قد تصبح خيارًا استراتيجيًا مستقبليًا.
السيناريو الثالث: دخول مزيد من اللاعبين الجدد
مع استمرار النمو، من المتوقع دخول شركات تقنية مالية جديدة، مما قد يعزز المنافسة ويضغط على اللاعبين الحاليين لتقديم منتجات أكثر ابتكارًا.
السيناريو الرابع: التوسع الإقليمي
قد تسعى شركات مثل تابي وتمارا إلى التوسع في دول الخليج والأسواق المجاورة لتعويض أي قيود محتملة في السوق السعودي.
لا شك أن شركات الدفع الآجل “اشتر الآن وادفع لاحقًا” (BNPL) أصبحت إحدى أسرع القطاعات نموًا في السعودية، لكنها تقف اليوم أمام مفترق طرق بين الاستمرار في التوسع السريع أو مواجهة رقابة تنظيمية مشددة، ومع استمرار هذا القطاع في التطور، ستظل المنافسة بين البنوك التقليدية وشركات التقنية المالية عاملاً حاسمًا في تشكيل مستقبل المشهد المالي في المملكة، ولذلك تلك الشركات في حاجة الى الاستشارات القانونية المتخصصة في القطاع المالي لأجل ضمان الامتثال القانوني ، وخاصة بعد اصدار قواعد تنظيم تلك الشركات من البنك المركزي السعودي ، ونحن في مكتب السلامه نقدم الاستشارات القانونية اللازمة لشركات الدفع الآجل.
أقرا أيضا : حجية الرسائل الإلكترونية في النظام السعودي